في الطريق إلى خوارزم
في الطريق إلى خوارزم
#محمد_أحمد_السويدي_ابن_بطوطة
وكان لي في عربتي ثلاث من الجواري ، ومن عادة المسافرين في هذه البريّة الإسراع لقلّة أعشابها ، والجمال التي تقطعها يهلك معظمها وما يبقى منها لا ينتفع به إلا في سنة أخرى بعد أن يسمن والماء في هذه البرية في مناهل معلومة بعد اليومين والثلاثة ، وهو ماء المطر والحسيان، ثم لما سلكنا هذه البرية وقطعناها ، كما ذكرناها ،وصلنا إلى خوارزم (3) ، وهي أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها لها الأسواق المليحة ، والشوارع الفسيحة ، والعمارة الكثيرة ، والمحاسن الأثيرة ، وهي ترتج بسكانها لكثرتهم ، وتموج بهم موج البحر ، ولقد ركبت بها يوما ودخلت السوق فلمّا توسطته ، وبلغت منتهى الزحام في موضع يقال له الشّور (4) ، لم أستطع أن أجوز ذلك الموضع لكثرة الازدحام ، وأردت الرجوع فما أمكنني لكثرة الناس ، فبقيت متحيّرا وبعد جهد شديد رجعت.
وذكر لي بعض الناس أن تلك السوق يخفّ زحامها يوم الجمعة لأنهم يسدّون سوق القيسارية وغيرها من الأسواق ، فركبت يوم الجمعة وتوجهت إلى المسجد الجامع والمدرسة ، وهذه المدينة تحت إمرة السلطان أوزبك ، وله فيه أمير كبير يسمى قطلودمور (5) ، وهو الذي عمّر هذه المدرسة وما معها من المواضع المضافة ، وأما المسجد فعمرته زوجته الخاتون الصالحة ترابك (6).
وبخوارزم مارستان له طبيب شامي يعرف بالصهيوني نسبة إلى صهيون من بلاد
__________________
(3) يلاحظ أن ابن بطوطة سكت هنا عن شكل الكلمة على خلاف عادته ، ويقول ياقوت أن الخاء بين الضمة والفتحة والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة ، هكذا يتلفظون به ، وخوارزم ليس اسما للمدينة ، إنما هو اسم للإقليم بجملته ، يقول ياقوت فأما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم الجرجانية ، وأهلها يسمونها (كركانج) ويقول عن الجرجانية ، إنها مدينة عظيمة على دلتا نهر جيحون (amudarya) وهي بالذات (urgentch) فعربت إلى الجرجانية. وقد جاءها ياقوت سنة 616 ـ (1219) فوصف بردها الشديد ، ونقل عن البشّاري المقدسي أنها أي خوارزم في الشرق كسجلماسة في الغرب وطباع أهلها مثل طبع البربر ... وقال : وكانت قصبتها قديما تسمى المنصورة ... ثم انتقل أهلها إلى الجرجانية ، والجدير بالذكر أن ننبه إلى أن ياقوت نقل عن رحلة السفير ابن فضلان حول خوارزم ... ويلاحظ العمري أن الأثمان كانت متشابهة تقريبا مع سراي وأن المركزين معا كانا يستعملان نفس المقاييس والمكاييل ...
(4) الشّور : اسم خوارزمي ويعني بالفارسية الحركة والهيجان ... ـ حول القيسارية انظر ج i ، 151 تعليق 94
(5) قطلودومور (qutlugh ـ tomur) كان في صدر الذين أعانوا أوزبك خان على الاستيلاء على الحكم عام 713 ـ 1313 وكان مكلفا بإدارة المملكة ولم يلبث أن سمي حاكما على خوارزم ...
(6) يوجد ضريح ترابك الخاتون دائما في مقبرة في الجرجانية ، أنظر آثار الإسلام التاريخية فيما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي ـ حول صهيون من بلاد الشام ج i ، 166 تعليق 125.
الشام ، ولم أر في بلاد الدنيا أحسن أخلاقا من أهل خوارزم ، ولا أكرم نفوسا ولا أحبّ في الغرباء (7).
ولهم عادة جميلة لم أرها لغيرها ، وهي أن المؤذنين بالمساجد يطوف كلّ واحد منهم على دور جيران مسجده معلما لهم بحضور الصلاة (8) ، فمن لم يحضر الصلاة مع الإمام ضربه الامام بمحضر الجماعة ، وفي كل مسجد درّة معلقة برسم ذلك ، ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح المسجد ، أو تطعم للفقراء والمساكين ، ويذكرون أن هذه العادة عندهم مستمرة على قديم الزمان.
وبخارج خوارزم نهر جيحون أحد الأنهار الأربعة التي من الجنة (9) ، وهو يجمد في أوان البرد كما يجمد نهر إتل : ويسلك الناس عليه ، وتبقى مدة جموده خمسة أشهر (10). وربما سلكوا عليه عند أخذه في الذوبان فهلكوا!
ويسافر فيه في أيام الصيف بالمراكب إلى ترمذ ويجلبون منها القمح والشعير ، وهي مسيرة عشر للمنحدر.
وبخارج خوارزم زاوية مبنية على تربة الشيخ نجم الدين الكبرا ، وكان من كبار الصالحين(11) ، وفيها الطعام للوارد والصادر.
__________________
(7) ابن بطوطة هنا يرد الاعتبار لأهل خوارزم الذين نال منهم اللحام في شعره :
ما أهل خوارزم سلالة آدم
ما هم وحقّ الله غير بهائم!
أبصرت مثل خفافهم ورؤوسهم
وثيابهم وكلامهم في العالم؟
ان كان يرضاهم أبونا آدم
فالكلب خير من أبينا آدم!!
ياقوت في معجم البلدان.
(8) ظلت هذه العادة معروفة في بخارى إلى العصور الأخيرة على ما حكى لنا عند زيارة المنطقة.
(9) نهر جيحون نهر أمودريا (amu darya) ونهر إتل هو الفولكا على ما تقدم.
(10) بقي ابن فضلان في الجرجانية (urgentch) طوال شهرين من شعبان رمضان 309 دجنبر 921 إلى يبراير 922 وقد قال بهذه المناسبة : وجمد جيجون من أوله إلى آخره وكان سمك الجمد سبعة عشر شبرا ، وكانت الخيل والبغال والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطرق وهو ثابت لا يتخلخل فأقام على ذلك ثلاثة أشهر.!
(11) نجم الدين الكبرا : رجل صالح صوفي سهروردي الطريقة ومؤسس طريقته الخاصة المعروفة بالطريقة الكبراوية التي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه ... وقد قتل من لدن المغول عند احتلالهم للجرجانية عام 617 ـ 1221 وما يزال قبره مزارة للناس هناك ـ اليافعي : مرآة الجنان وعبرة اليقظان فيما يعتبر من حوادث الزمان.
ف. ف. بارتولد : تركستان ، نقله عن الروسية صلاح الدين عثمان هاشم ـ الكويت 1981 صفحة 126 ـ 536 ـ 614 ـ 616 ـ 663 ، انظر تعليق الناشرين.iii ج d.s. ص 451.
___
*هذه النصوص تأتيكم من #رحلة_ابن_بطوطة، المسماة «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، وهي جزء من مشروعنا على خطى ابن بطوطة كما ندعوكم لمتابعة النصوص والحكايات التي سننشرها من الرحلة تباعاً في الأيام القادمة، ينتخبها ويعتني بها الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي
http://arabic.euronews.com/2014/12/23/khiva-gateway-to-the-desert-in-uzbekistan
في الطريق إلى خوارزم
#محمد_أحمد_السويدي_ابن_بطوطة
وكان لي في عربتي ثلاث من الجواري ، ومن عادة المسافرين في هذه البريّة الإسراع لقلّة أعشابها ، والجمال التي تقطعها يهلك معظمها وما يبقى منها لا ينتفع به إلا في سنة أخرى بعد أن يسمن والماء في هذه البرية في مناهل معلومة بعد اليومين والثلاثة ، وهو ماء المطر والحسيان، ثم لما سلكنا هذه البرية وقطعناها ، كما ذكرناها ،وصلنا إلى خوارزم (3) ، وهي أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها لها الأسواق المليحة ، والشوارع الفسيحة ، والعمارة الكثيرة ، والمحاسن الأثيرة ، وهي ترتج بسكانها لكثرتهم ، وتموج بهم موج البحر ، ولقد ركبت بها يوما ودخلت السوق فلمّا توسطته ، وبلغت منتهى الزحام في موضع يقال له الشّور (4) ، لم أستطع أن أجوز ذلك الموضع لكثرة الازدحام ، وأردت الرجوع فما أمكنني لكثرة الناس ، فبقيت متحيّرا وبعد جهد شديد رجعت.
وذكر لي بعض الناس أن تلك السوق يخفّ زحامها يوم الجمعة لأنهم يسدّون سوق القيسارية وغيرها من الأسواق ، فركبت يوم الجمعة وتوجهت إلى المسجد الجامع والمدرسة ، وهذه المدينة تحت إمرة السلطان أوزبك ، وله فيه أمير كبير يسمى قطلودمور (5) ، وهو الذي عمّر هذه المدرسة وما معها من المواضع المضافة ، وأما المسجد فعمرته زوجته الخاتون الصالحة ترابك (6).
وبخوارزم مارستان له طبيب شامي يعرف بالصهيوني نسبة إلى صهيون من بلاد
__________________
(3) يلاحظ أن ابن بطوطة سكت هنا عن شكل الكلمة على خلاف عادته ، ويقول ياقوت أن الخاء بين الضمة والفتحة والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة ، هكذا يتلفظون به ، وخوارزم ليس اسما للمدينة ، إنما هو اسم للإقليم بجملته ، يقول ياقوت فأما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم الجرجانية ، وأهلها يسمونها (كركانج) ويقول عن الجرجانية ، إنها مدينة عظيمة على دلتا نهر جيحون (amudarya) وهي بالذات (urgentch) فعربت إلى الجرجانية. وقد جاءها ياقوت سنة 616 ـ (1219) فوصف بردها الشديد ، ونقل عن البشّاري المقدسي أنها أي خوارزم في الشرق كسجلماسة في الغرب وطباع أهلها مثل طبع البربر ... وقال : وكانت قصبتها قديما تسمى المنصورة ... ثم انتقل أهلها إلى الجرجانية ، والجدير بالذكر أن ننبه إلى أن ياقوت نقل عن رحلة السفير ابن فضلان حول خوارزم ... ويلاحظ العمري أن الأثمان كانت متشابهة تقريبا مع سراي وأن المركزين معا كانا يستعملان نفس المقاييس والمكاييل ...
(4) الشّور : اسم خوارزمي ويعني بالفارسية الحركة والهيجان ... ـ حول القيسارية انظر ج i ، 151 تعليق 94
(5) قطلودومور (qutlugh ـ tomur) كان في صدر الذين أعانوا أوزبك خان على الاستيلاء على الحكم عام 713 ـ 1313 وكان مكلفا بإدارة المملكة ولم يلبث أن سمي حاكما على خوارزم ...
(6) يوجد ضريح ترابك الخاتون دائما في مقبرة في الجرجانية ، أنظر آثار الإسلام التاريخية فيما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي ـ حول صهيون من بلاد الشام ج i ، 166 تعليق 125.
الشام ، ولم أر في بلاد الدنيا أحسن أخلاقا من أهل خوارزم ، ولا أكرم نفوسا ولا أحبّ في الغرباء (7).
ولهم عادة جميلة لم أرها لغيرها ، وهي أن المؤذنين بالمساجد يطوف كلّ واحد منهم على دور جيران مسجده معلما لهم بحضور الصلاة (8) ، فمن لم يحضر الصلاة مع الإمام ضربه الامام بمحضر الجماعة ، وفي كل مسجد درّة معلقة برسم ذلك ، ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح المسجد ، أو تطعم للفقراء والمساكين ، ويذكرون أن هذه العادة عندهم مستمرة على قديم الزمان.
وبخارج خوارزم نهر جيحون أحد الأنهار الأربعة التي من الجنة (9) ، وهو يجمد في أوان البرد كما يجمد نهر إتل : ويسلك الناس عليه ، وتبقى مدة جموده خمسة أشهر (10). وربما سلكوا عليه عند أخذه في الذوبان فهلكوا!
ويسافر فيه في أيام الصيف بالمراكب إلى ترمذ ويجلبون منها القمح والشعير ، وهي مسيرة عشر للمنحدر.
وبخارج خوارزم زاوية مبنية على تربة الشيخ نجم الدين الكبرا ، وكان من كبار الصالحين(11) ، وفيها الطعام للوارد والصادر.
__________________
(7) ابن بطوطة هنا يرد الاعتبار لأهل خوارزم الذين نال منهم اللحام في شعره :
ما أهل خوارزم سلالة آدم
ما هم وحقّ الله غير بهائم!
أبصرت مثل خفافهم ورؤوسهم
وثيابهم وكلامهم في العالم؟
ان كان يرضاهم أبونا آدم
فالكلب خير من أبينا آدم!!
ياقوت في معجم البلدان.
(8) ظلت هذه العادة معروفة في بخارى إلى العصور الأخيرة على ما حكى لنا عند زيارة المنطقة.
(9) نهر جيحون نهر أمودريا (amu darya) ونهر إتل هو الفولكا على ما تقدم.
(10) بقي ابن فضلان في الجرجانية (urgentch) طوال شهرين من شعبان رمضان 309 دجنبر 921 إلى يبراير 922 وقد قال بهذه المناسبة : وجمد جيجون من أوله إلى آخره وكان سمك الجمد سبعة عشر شبرا ، وكانت الخيل والبغال والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطرق وهو ثابت لا يتخلخل فأقام على ذلك ثلاثة أشهر.!
(11) نجم الدين الكبرا : رجل صالح صوفي سهروردي الطريقة ومؤسس طريقته الخاصة المعروفة بالطريقة الكبراوية التي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه ... وقد قتل من لدن المغول عند احتلالهم للجرجانية عام 617 ـ 1221 وما يزال قبره مزارة للناس هناك ـ اليافعي : مرآة الجنان وعبرة اليقظان فيما يعتبر من حوادث الزمان.
ف. ف. بارتولد : تركستان ، نقله عن الروسية صلاح الدين عثمان هاشم ـ الكويت 1981 صفحة 126 ـ 536 ـ 614 ـ 616 ـ 663 ، انظر تعليق الناشرين.iii ج d.s. ص 451.
___
*هذه النصوص تأتيكم من #رحلة_ابن_بطوطة، المسماة «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، وهي جزء من مشروعنا على خطى ابن بطوطة كما ندعوكم لمتابعة النصوص والحكايات التي سننشرها من الرحلة تباعاً في الأيام القادمة، ينتخبها ويعتني بها الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles