من دمشق إلى حيفا - الحرب تترك المخفر الأممي في سلام
"من دمشق إلى حيفا" لـ"خيري الذهبي"
الكتاب الفائز بجائزة ابن بطوطة لأدب اليوميات 2019
ينتقيها ويعتني بها الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي راعي ومؤسس #جائزة_ابن_بطوطة لأدب الرحلة
الحرب تترك المخفر الأممي في سلام
في اليوم التالي عدت إلى الكراج المرتجل في المخفر لأجلس على كرسي الميكانيكي الملوث بشحم السيارات أتأمل القرية التي كانت تضج بالحياة قبل أيام فقط، وهي اليوم ميتة لا تعرف متى تبعث فيها الحياة. وعاد الضابطان الأمميان إلى السكر، والنوم في الملجأ محتميين بمقولة الإيطالي: "هذه حرب ليست حربي ولا أريد الموت المجاني فيها"، وفي انتظار نجدة ما تأتيهم من دمشق، أو من تل أبيب كانا يقضيان على زجاجات الخمرة بالترتيب غير العنصري، فكل المشروبات بغض النظر عن مصنعها وصانعها سواء، ولم أكن على جرأتهما في الاستهانة بدماء البسطاء، فأقضي ساعات الحرب سكران.
كنت أشرب القهوة في مجلسي في الكراج أتأمل القرية ولا أراها، فما كنت مهتماً برؤيته لم أره، وما كنت أشتهي رؤيته من نصر يستحقه جيلي لم يسعدني الحظ بنواله. وفجأة، وقبل أن أنفض رأسي محاولاً الرفض، أو التأكد مما أرى، رأيته، أو بالتدقيق لم أره، بل رأيت غباراً يتحرك على طريق المخفر القادم من القرية، غباراً يصعد إلى الأعلى، ويثيره شيء ما يمشي على الدرب الترابية، خرجت من لامبالاتي ونعاسي أحاول التأكد مما أرى، وفي عصفة ريح عابرة كشفت الغبار، فرأيته. كان كلباً ضخماً...كلباً؟ لا، بل كان أكبر من الكلب. بل هو أضخم من الكلب، ولم أستطع الجزم، فقد اندس في الغبار الذي أهاجه ثانية، وأخذت كتلة الغبار في التقدم نحو المخفر.
اهتممت لمرأى الكلب الضخم يتقدم باتجاه المخفر، وبحثت عن سلاح أدفعه به عني، ولكن لا سلاح، فانحنيت إلى الأرض، وحملت حجراً ضخماً كما كنا نفعل صغاراً، وفجأة سقط الحجاب الغباري وبدا الكلب. كان كلباً جميلاً قوياً، وكان يدلي لسانه نحو الخارج في ظمأ واضح، قررت سقايته، سكبت من برميل في الكراج ما يملأ سطلاً صغيراً، وحين سمع صوت الماء يكركر في السطل اهتمّ، وانتبه، حاولت تجاهله، حين التفتّ إليه رأيت تكشيرته المرعبة عن أسنان صفر، فوضعت السطل على الأرض بعد خض الماء فيه، ولكنه شخر بقوة وهرّ (كشر عن أنيابه)، فارتعبت، فلو قرر عضي، فليس هناك من يدفع عني، وليس لديّ في الكراج سلاح، أي سلاح بما فيها السكين.
قررت الانسحاب، فالمواجهة خطيرة، وشديدة الخطر، وما يدريك أن من الممكن أن يكون مسعوراً مكلوباً، وعضته تعني الموت البطيء في هذه الصحراء الخضراء الخاوية من كل حياة، فالأحياء الوحيدون فيها سكارى كالأموات.
كنت قد قرأت مرة أن التحديق في وجه الحيوانات المفترسة قد يؤدي إلى هجومها عليك، فالتحديق في العيون تحد على السيادة، ولم أنظر في وجه الكلب مباشرة، وإن تخيلت حجمه وتقاسيمه، فخطر لي أنه ليس كلب رعاة، بل كلب من سلالة طيبة مقدرة عند مربي الكلاب، وبرز السؤال: ولكن ما الذي جاء به إلى هذه القرية التي رأيته يخرج منها؟.
سمعت صوت لعق متعجل، فالتفت لأكون في اتجاهه، ورأيته يلعق الماء بسرعة العطشان من السطل، فكرت بإطعامه، ولكن ليس لديّ ما يصلح لأكله إلا علبة مارتيديللا. ترى هل سيستطيبها. وبدأت زحف الأقدام خارج الكراج، ولكنه شعر بحركتي، فرفع رأسه عن السطل، وأطلق هريراً سمعته شديد القوة ما دفع الرعشة إلى عمودي الفقري، فتوقفت مرعوباً أنتظر خطوته التالية، ولكن ذلك الكلب لملم نفسه وخرج إلى البعيد حيث، اختار جذع شجرة صغيرة واستلقى تحتها وهو ينظر إلي، حينها أحسست بأنه لن يغادر وبأنه سيتحول إلى عنصر أساسي من جماليات هذا المخفر البري.
"من دمشق إلى حيفا" لـ"خيري الذهبي"
الكتاب الفائز بجائزة ابن بطوطة لأدب اليوميات 2019
ينتقيها ويعتني بها الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي راعي ومؤسس #جائزة_ابن_بطوطة لأدب الرحلة
الحرب تترك المخفر الأممي في سلام
في اليوم التالي عدت إلى الكراج المرتجل في المخفر لأجلس على كرسي الميكانيكي الملوث بشحم السيارات أتأمل القرية التي كانت تضج بالحياة قبل أيام فقط، وهي اليوم ميتة لا تعرف متى تبعث فيها الحياة. وعاد الضابطان الأمميان إلى السكر، والنوم في الملجأ محتميين بمقولة الإيطالي: "هذه حرب ليست حربي ولا أريد الموت المجاني فيها"، وفي انتظار نجدة ما تأتيهم من دمشق، أو من تل أبيب كانا يقضيان على زجاجات الخمرة بالترتيب غير العنصري، فكل المشروبات بغض النظر عن مصنعها وصانعها سواء، ولم أكن على جرأتهما في الاستهانة بدماء البسطاء، فأقضي ساعات الحرب سكران.
كنت أشرب القهوة في مجلسي في الكراج أتأمل القرية ولا أراها، فما كنت مهتماً برؤيته لم أره، وما كنت أشتهي رؤيته من نصر يستحقه جيلي لم يسعدني الحظ بنواله. وفجأة، وقبل أن أنفض رأسي محاولاً الرفض، أو التأكد مما أرى، رأيته، أو بالتدقيق لم أره، بل رأيت غباراً يتحرك على طريق المخفر القادم من القرية، غباراً يصعد إلى الأعلى، ويثيره شيء ما يمشي على الدرب الترابية، خرجت من لامبالاتي ونعاسي أحاول التأكد مما أرى، وفي عصفة ريح عابرة كشفت الغبار، فرأيته. كان كلباً ضخماً...كلباً؟ لا، بل كان أكبر من الكلب. بل هو أضخم من الكلب، ولم أستطع الجزم، فقد اندس في الغبار الذي أهاجه ثانية، وأخذت كتلة الغبار في التقدم نحو المخفر.
اهتممت لمرأى الكلب الضخم يتقدم باتجاه المخفر، وبحثت عن سلاح أدفعه به عني، ولكن لا سلاح، فانحنيت إلى الأرض، وحملت حجراً ضخماً كما كنا نفعل صغاراً، وفجأة سقط الحجاب الغباري وبدا الكلب. كان كلباً جميلاً قوياً، وكان يدلي لسانه نحو الخارج في ظمأ واضح، قررت سقايته، سكبت من برميل في الكراج ما يملأ سطلاً صغيراً، وحين سمع صوت الماء يكركر في السطل اهتمّ، وانتبه، حاولت تجاهله، حين التفتّ إليه رأيت تكشيرته المرعبة عن أسنان صفر، فوضعت السطل على الأرض بعد خض الماء فيه، ولكنه شخر بقوة وهرّ (كشر عن أنيابه)، فارتعبت، فلو قرر عضي، فليس هناك من يدفع عني، وليس لديّ في الكراج سلاح، أي سلاح بما فيها السكين.
قررت الانسحاب، فالمواجهة خطيرة، وشديدة الخطر، وما يدريك أن من الممكن أن يكون مسعوراً مكلوباً، وعضته تعني الموت البطيء في هذه الصحراء الخضراء الخاوية من كل حياة، فالأحياء الوحيدون فيها سكارى كالأموات.
كنت قد قرأت مرة أن التحديق في وجه الحيوانات المفترسة قد يؤدي إلى هجومها عليك، فالتحديق في العيون تحد على السيادة، ولم أنظر في وجه الكلب مباشرة، وإن تخيلت حجمه وتقاسيمه، فخطر لي أنه ليس كلب رعاة، بل كلب من سلالة طيبة مقدرة عند مربي الكلاب، وبرز السؤال: ولكن ما الذي جاء به إلى هذه القرية التي رأيته يخرج منها؟.
سمعت صوت لعق متعجل، فالتفت لأكون في اتجاهه، ورأيته يلعق الماء بسرعة العطشان من السطل، فكرت بإطعامه، ولكن ليس لديّ ما يصلح لأكله إلا علبة مارتيديللا. ترى هل سيستطيبها. وبدأت زحف الأقدام خارج الكراج، ولكنه شعر بحركتي، فرفع رأسه عن السطل، وأطلق هريراً سمعته شديد القوة ما دفع الرعشة إلى عمودي الفقري، فتوقفت مرعوباً أنتظر خطوته التالية، ولكن ذلك الكلب لملم نفسه وخرج إلى البعيد حيث، اختار جذع شجرة صغيرة واستلقى تحتها وهو ينظر إلي، حينها أحسست بأنه لن يغادر وبأنه سيتحول إلى عنصر أساسي من جماليات هذا المخفر البري.
#مختارات_من_أدب_الرحلة
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles