Arabic    

رحلة في البحار الأربعة من دريكيش إلى مانغاليا - التويتال


2019-11-26
View In Facebook
Application : Horizon Pioneers
Category : Horizon Pioneers (Books)

 
 
 
التويتال
ــــــــــ
 
سألت أحمد أن يأخذني إلى مقصف «التويتال» لأن البحارة منذ الرحلة السابقة قد ذكروه أمامي عدة مرات، ولم يرغبوا لي الذهاب إليه، وكلهم يضحك عندما يذكره ويقول لي: لن يعجبك أبدا، وإذا دخلته فإنك لن تقبل الجلوس فيه . فأخبرني أحمد بأنه مقصف قديم رث وشعبي جدا، فقلت له: خذني إليه الآن.
وصلنا «التويتال» ودخلناه.. كان بناء قديماً ومتواضعاً، وأرضه الإسمنتية قد تقشرت في أماكن عديدة، وصارت أغلب مساحتها ترابية، حتى إن بعض الأماكن فيها قد صارت على شكل حفر واضحة.. كانت الطاولات والكراسي غاية في القدم، فالكراسي من حديد، وذات مقاعد صلبة قديمة، وكذلك الطاولات وبعضها قد تكسّر جزء من سطحها، وتقشّر جزء آخر، وفي صالة التويتال المستطيلة أناس من شتى الأعمار، ما عدا النساء الكبيرات فهن نادرات..
منذ أول دخولي ومعاينتي للجو شعرت بحميمية وراحة نفس عجيبة.. لقد أحسست لأول مرة أنني في وسط روماني حقيقي، فالأماكن الأخرى لا تختلف في شيء عن المقاصف والبارات التي نشاهدها في الأفلام الغربية، أما «التويتال» فمكان طبيعي تماما، خالٍ من تقنيات الصنعة أو التكلف، أو الفذلكات السياحية. جلسنا إلى إحدى الطاولات، وقد تعجب أحمد من سروري بهذا المكان، فهو أيضا كان يتوقع ألا أقبل الجلوس فيه. وانتقلت إليه عدوى السرور، فطرب لطربي وهشّ وبشّ.
في نهاية الصالة كانت المنصة التي تتموضع عليها الفرقة الموسيقية للعزف والغناء. حضرت الفرقة بعد زمن قصير من دخولنا، وحضر بعض بحارتنا الأخرين، فانضموا إلينا مندهشين من وجودنا، فأنّبتهم لأنهم كانوا يزينون لي عدم المجيء إلى هذا المكان، وابتدأ العزف، وزاد سروري أكثر فأكثر، فقد كانت موسیقا رومانية محلية، وغنوا أغنياتهم الشعبية، وهذا ما كانت نفسي تتوق إليه.
كانت الخدمة لنا سريعة ومحترمة، لأنهم يعرفون أننا بحارة، وندفع إكراميات مجزية، لا يقدم الرومانيون شيئا منها لبعضهم. في تلك اللحظات والعزف والغناء ما يزالان مستمرین دخلت مجموعة من الشبان يرتدون لباس البحرية، كانوا اثني عشر شابا في مقتبل أعمارهم، ويبدون كأنهم يؤدون الخدمة الإلزامية، وقد غادروا قطعاتهم العسكرية لقضاء يوم عطلة، جلسوا إلى الطاولة التي أمامنا على بعد ثلاثة أمتار تقريبا، ثم جاءهم الشراب الذي طلبوه، وبعد أن شربوا عدة كؤوس ودخنوا قام أحدهم وكلم قائد الفرقة الموسيقية ثم عاد إلى أصحابه، ولما هدأت الموسيقا رفع قائد الفرقة يده ثم حركها بقوة، لتنطلق الآلات كلها بمعزوفة إيقاعية جميلة جدا فنهض البحارة، وتخاصروا بأيديهم، وراحوا يؤدون رقصة من أجمل الرقصات برشاقة وإتقان بالغين، وكان واحد منهم على طرف حبل الرقص يترك رفاقه ليؤدي حركات رقص برجليه ويديه، وكل جسمه، حرکات رائعة تدل على مهارة وإتقان عظيمين، ولما انتهت الرقصة دوى تصفيق كبير من كل الجالسين، ولكنه كان من ناحيتنا أكثر، فقد بقيت واقفاً مع رفاقي نصفق لهم حتى عادوا وجلسوا إلى طاولتهم، فرفعوا أيديهم تحية لنا، فردينا التحية بإلقاء علبتين من السجائر على طاولتهم، وصوتوا محيين لنا من جديد، وهم في غاية الامتنان لهذه التقدمة الكريمة لهم.
نعم إنها تقدمة كريمة جدا – وللأسف- أن تعطي المواطن الروماني علبة سجائر فرنسية أو أمريكية، بل حتی يونانية..كان ظلام "تشاوشيسكو" واستبداده قد حرمهم من مثل هذه المتعة البسيطة وحجبها عنهم. واليوم يحرمهم منها ويحجبها عنهم استبداد الفقر، وانهيار اقتصاد البلاد، لتصبح المتعة البسيطة حلما صعب التحقق، وأمنية بعيدة المنال
 
_________
 
رحلة في البحار الأربعة من دريكيش إلى مانغاليا | جمال ملحم
مختارات من أدب الرحلة ينتقيها ويعتني به الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي

 

      التويتال ــــــــــ   سألت أحمد أن يأخذني إلى مقصف «التويتال» لأن البحارة منذ الرحلة السابقة قد ذكروه أمامي عدة مرات، ولم يرغبوا لي الذهاب إليه، وكلهم يضحك عندما يذكره ويقول لي: لن يعجبك أبدا، وإذا دخلته فإنك لن تقبل الجلوس فيه . فأخبرني أحمد بأنه مقصف قديم رث وشعبي جدا، فقلت له: خذني إليه الآن. وصلنا «التويتال» ودخلناه.. كان بناء قديماً ومتواضعاً، وأرضه الإسمنتية قد تقشرت في أماكن عديدة، وصارت أغلب مساحتها ترابية، حتى إن بعض الأماكن فيها قد صارت على شكل حفر واضحة.. كانت الطاولات والكراسي غاية في القدم، فالكراسي من حديد، وذات مقاعد صلبة قديمة، وكذلك الطاولات وبعضها قد تكسّر جزء من سطحها، وتقشّر جزء آخر، وفي صالة التويتال المستطيلة أناس من شتى الأعمار، ما عدا النساء الكبيرات فهن نادرات.. منذ أول دخولي ومعاينتي للجو شعرت بحميمية وراحة نفس عجيبة.. لقد أحسست لأول مرة أنني في وسط روماني حقيقي، فالأماكن الأخرى لا تختلف في شيء عن المقاصف والبارات التي نشاهدها في الأفلام الغربية، أما «التويتال» فمكان طبيعي تماما، خالٍ من تقنيات الصنعة أو التكلف، أو الفذلكات السياحية. جلسنا إلى إحدى الطاولات، وقد تعجب أحمد من سروري بهذا المكان، فهو أيضا كان يتوقع ألا أقبل الجلوس فيه. وانتقلت إليه عدوى السرور، فطرب لطربي وهشّ وبشّ. في نهاية الصالة كانت المنصة التي تتموضع عليها الفرقة الموسيقية للعزف والغناء. حضرت الفرقة بعد زمن قصير من دخولنا، وحضر بعض بحارتنا الأخرين، فانضموا إلينا مندهشين من وجودنا، فأنّبتهم لأنهم كانوا يزينون لي عدم المجيء إلى هذا المكان، وابتدأ العزف، وزاد سروري أكثر فأكثر، فقد كانت موسیقا رومانية محلية، وغنوا أغنياتهم الشعبية، وهذا ما كانت نفسي تتوق إليه. كانت الخدمة لنا سريعة ومحترمة، لأنهم يعرفون أننا بحارة، وندفع إكراميات مجزية، لا يقدم الرومانيون شيئا منها لبعضهم. في تلك اللحظات والعزف والغناء ما يزالان مستمرین دخلت مجموعة من الشبان يرتدون لباس البحرية، كانوا اثني عشر شابا في مقتبل أعمارهم، ويبدون كأنهم يؤدون الخدمة الإلزامية، وقد غادروا قطعاتهم العسكرية لقضاء يوم عطلة، جلسوا إلى الطاولة التي أمامنا على بعد ثلاثة أمتار تقريبا، ثم جاءهم الشراب الذي طلبوه، وبعد أن شربوا عدة كؤوس ودخنوا قام أحدهم وكلم قائد الفرقة الموسيقية ثم عاد إلى أصحابه، ولما هدأت الموسيقا رفع قائد الفرقة يده ثم حركها بقوة، لتنطلق الآلات كلها بمعزوفة إيقاعية جميلة جدا فنهض البحارة، وتخاصروا بأيديهم، وراحوا يؤدون رقصة من أجمل الرقصات برشاقة وإتقان بالغين، وكان واحد منهم على طرف حبل الرقص يترك رفاقه ليؤدي حركات رقص برجليه ويديه، وكل جسمه، حرکات رائعة تدل على مهارة وإتقان عظيمين، ولما انتهت الرقصة دوى تصفيق كبير من كل الجالسين، ولكنه كان من ناحيتنا أكثر، فقد بقيت واقفاً مع رفاقي نصفق لهم حتى عادوا وجلسوا إلى طاولتهم، فرفعوا أيديهم تحية لنا، فردينا التحية بإلقاء علبتين من السجائر على طاولتهم، وصوتوا محيين لنا من جديد، وهم في غاية الامتنان لهذه التقدمة الكريمة لهم. نعم إنها تقدمة كريمة جدا – وللأسف- أن تعطي المواطن الروماني علبة سجائر فرنسية أو أمريكية، بل حتی يونانية..كان ظلام "تشاوشيسكو" واستبداده قد حرمهم من مثل هذه المتعة البسيطة وحجبها عنهم. واليوم يحرمهم منها ويحجبها عنهم استبداد الفقر، وانهيار اقتصاد البلاد، لتصبح المتعة البسيطة حلما صعب التحقق، وأمنية بعيدة المنال   _________   رحلة في البحار الأربعة من دريكيش إلى مانغاليا | جمال ملحم مختارات من أدب الرحلة ينتقيها ويعتني به الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي   , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

بيان للإعلام جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة 2023 - 2022 الدورة الواحدة والعشرون
نبارك للمكتبة العربية هذه النخبة الجديدة من الكتب الفائزة بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة 2023
بمناسبة احتفالية مرور 20 عاما على تأسيس دارة السويدي الثقافية
كان كل واحد منا غريبا عن الآخر
من ندوة جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي اليوم بمعرض الرباط الدولي للكتاب بالمملكة المغربية
الكتب الجديدة من جائزة ابن بطوطة
الفائزون - صور التكريم


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions