Arabic    

يورك والجزّة الذهبية (2-3)


2020-02-11
اعرض في فيس بوك
التصنيف : مقالات الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي

 
 
يورك والجزّة الذهبية
(2-3)
ذهبنا ميمّمين شطر يورك، فسألت توم عن برجه، وكنت قد لمحت فيه أيضا ملامح تعود به إلى شمال أوربا، فقال: لقد أجريت اختبار الحمض النووي فوجدت أن لي جذورا في النرويج والدنمارك وبعض قطرات شرق أوسطية، أما زوجتي فهي أيرلندية وتفخر بانتمائها وجذورها، أما أنا فلا ريب أن بي جذر يعود إلى الفايكنغ ممن استوطنو الجزر البريطانية وتركوا فيها عرقا يخفق، فقلت في نفسي، أما القطرات الشرق الأوسطية فلا مناص أنها تعود إلى واحدة من الحملات الصليبية التي ذوبّت في تم قطرة من روحها فانبجست في حمضه النووي.
 
أما يورك التي نقّلنا أقدامنا صوبها، فلقد اشتهرت بصناعة الصوف وكانت تصدّره إلى مختلف الأصقاع وخصوصا بعد إنشاء السكك الحديدية وسيطرة بريطانيا على البحار فكانت قطاراتهم وسفنهم تصدّر الصوف الفاخر الذي اشتهر بجودته ومتانته.
وأنّى وجّهت في يورك وجهك فسترى قطعان الأغنام كأنها الوشي المطرّز في حقولها الخضراء، وهي ذاتها التي افتتن بها الفنان البريطاني تيرنر (1775_1851) الذي ارتفع بمكانة الرسم الطبيعي إلى مستويات تؤهله لمناطحة الرسم التاريخي. كما تعدّ أعماله مقدمة رومانسية للفن الإنطباعي الذي بدأت بوادره تتنضّج بعد وفاته بأقل من عقدين وتحديدا مع ظهور لوحة غداء على العشب للرسام الفرنسي مانيه عام 1869.
ثم سألت توم عن الأسماء الأدبية في يورك وضواحيها ممن أغنت المشهد الثقافي، فقال دون تردد وكأنه كان مستعدا للسؤال: إنها شارلوت برونتي (1816_1855) وأخواتها إيميلي وآن، ولا ريب أن لشارلوت القدح المعلّى بحياتها القصيرة المأزومة بعد أن تمكنت من نشر عملها (جين اير) باسم مستعار يعود لرجل، ولقد عاصرت في شطر كبير من حياتها الرسام تيرنر وشهدت بزوغ نجمه وعلو شأنه ومن ثم انحساره وأفوله وإفلاسه.
ثم قادنا الحديث عن (سكاربرا) فلقد كانت مشهورة مع بعض ما يحيطها من أمكنة بالبطاطا والسمك، وأتذكر في صباي أنني كنت أقف في طابور طويل للحصول على طبق من البطاطا المنقوعة بالخل وسمك الكود في جوّ بارد ماطر.
فقدت يورك مكانتها المتقدمة تجاريا لصالح مدينة ليدز التي جعلت من بعض رهاناتها الاحتفاء بالرياضة والتي يمكن أن نقول في شأنها ما نقوله في الفن، حيث ينتعشان بوجود رأس المال، وهو الأمر الذي اختبرته أوربا خلال الحرب العالمية الثانية عندما هاجر جمع من فناني أوربا المقيمين في فرنسا إلى أمريكا وبالتحديد إلى نيويورك حيث يتوافر الاستقرار ورأس المال، فتحوّلت إلى مركز عالمي لانتاج الفن واستهلاكه معا بسبب وجود المؤسسات والشركات واسعة الثراء وتنوّع أنماط الحياة.
وليدز من المدن الموسرة والمستقرة اقتصاديا، فقاد هذا الرخاء إلى أن يقوم الأثرياء باستثمار جانب من أموالهم بالرياضة، فكان نتاج ذلك نادي ليدز يونايتد الذي تأسس في عام 1919 وكانت حقبته الذهبية في فترة الستينات والسبعينات حيث فاز لأول مرة في تاريخه ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز عام 1969، ثم فاز بها مجدداً عام 1974. ثم مر بفترة فراغ أدت به إلى الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية قبل أن يستعيد عافيته ويصعد إلى الدوري الممتاز ويفوز ببطولته عام 1992.
ثم شرعنا بالحديث عن خصوبة تربة يورك ومحيطها، لانها كانت في الأزمنة الغابرة عبارة عن مسطحات جليدية، وبعد انحسار هذه المسطحات وتمازج ما أفرزته من مكونات في محيطها افرزت هذه التربة الخصبة والصالحة للرعي والزراعة.
ومن هذه التربة ذاتها يُصنع ضرب من القرميد الذي ينتشر على نحو واسع في بيوتات وسائر عمران المنطقة.
وبالعودة إلى تيرنر الذي قبض على روح المكان وتحوّلاته بفرشاته والعديد من أعماله الزيتية التي تبلغ نحو 500 لوحة موزعة على متاحف العالم والمجموعات الخاصة، وأعماله المائية التي أحصاها بعض النقاد بنحو خمسة آلاف عمل، تبزغ يورك خلل الأمكنة التي منحها روحه وبريقه.
كما أن هناك مسارا يتبعه عشاق تيرنر ليتعرّفوا على المناطق والمشاهد التي رسمها، وهذه الرحلة هي ضرب من الجمال الخالص لرجل جعل الطبيعة تستعيد هيبتها وتقف في مصاف الموضوعات التاريخية التي تكرّست منذ عصر النهضة في ذاكرة الفن ورواده.
 
 

    يورك والجزّة الذهبية (2-3) ذهبنا ميمّمين شطر يورك، فسألت توم عن برجه، وكنت قد لمحت فيه أيضا ملامح تعود به إلى شمال أوربا، فقال: لقد أجريت اختبار الحمض النووي فوجدت أن لي جذورا في النرويج والدنمارك وبعض قطرات شرق أوسطية، أما زوجتي فهي أيرلندية وتفخر بانتمائها وجذورها، أما أنا فلا ريب أن بي جذر يعود إلى الفايكنغ ممن استوطنو الجزر البريطانية وتركوا فيها عرقا يخفق، فقلت في نفسي، أما القطرات الشرق الأوسطية فلا مناص أنها تعود إلى واحدة من الحملات الصليبية التي ذوبّت في تم قطرة من روحها فانبجست في حمضه النووي.   أما يورك التي نقّلنا أقدامنا صوبها، فلقد اشتهرت بصناعة الصوف وكانت تصدّره إلى مختلف الأصقاع وخصوصا بعد إنشاء السكك الحديدية وسيطرة بريطانيا على البحار فكانت قطاراتهم وسفنهم تصدّر الصوف الفاخر الذي اشتهر بجودته ومتانته. وأنّى وجّهت في يورك وجهك فسترى قطعان الأغنام كأنها الوشي المطرّز في حقولها الخضراء، وهي ذاتها التي افتتن بها الفنان البريطاني تيرنر (1775_1851) الذي ارتفع بمكانة الرسم الطبيعي إلى مستويات تؤهله لمناطحة الرسم التاريخي. كما تعدّ أعماله مقدمة رومانسية للفن الإنطباعي الذي بدأت بوادره تتنضّج بعد وفاته بأقل من عقدين وتحديدا مع ظهور لوحة غداء على العشب للرسام الفرنسي مانيه عام 1869. ثم سألت توم عن الأسماء الأدبية في يورك وضواحيها ممن أغنت المشهد الثقافي، فقال دون تردد وكأنه كان مستعدا للسؤال: إنها شارلوت برونتي (1816_1855) وأخواتها إيميلي وآن، ولا ريب أن لشارلوت القدح المعلّى بحياتها القصيرة المأزومة بعد أن تمكنت من نشر عملها (جين اير) باسم مستعار يعود لرجل، ولقد عاصرت في شطر كبير من حياتها الرسام تيرنر وشهدت بزوغ نجمه وعلو شأنه ومن ثم انحساره وأفوله وإفلاسه. ثم قادنا الحديث عن (سكاربرا) فلقد كانت مشهورة مع بعض ما يحيطها من أمكنة بالبطاطا والسمك، وأتذكر في صباي أنني كنت أقف في طابور طويل للحصول على طبق من البطاطا المنقوعة بالخل وسمك الكود في جوّ بارد ماطر. فقدت يورك مكانتها المتقدمة تجاريا لصالح مدينة ليدز التي جعلت من بعض رهاناتها الاحتفاء بالرياضة والتي يمكن أن نقول في شأنها ما نقوله في الفن، حيث ينتعشان بوجود رأس المال، وهو الأمر الذي اختبرته أوربا خلال الحرب العالمية الثانية عندما هاجر جمع من فناني أوربا المقيمين في فرنسا إلى أمريكا وبالتحديد إلى نيويورك حيث يتوافر الاستقرار ورأس المال، فتحوّلت إلى مركز عالمي لانتاج الفن واستهلاكه معا بسبب وجود المؤسسات والشركات واسعة الثراء وتنوّع أنماط الحياة. وليدز من المدن الموسرة والمستقرة اقتصاديا، فقاد هذا الرخاء إلى أن يقوم الأثرياء باستثمار جانب من أموالهم بالرياضة، فكان نتاج ذلك نادي ليدز يونايتد الذي تأسس في عام 1919 وكانت حقبته الذهبية في فترة الستينات والسبعينات حيث فاز لأول مرة في تاريخه ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز عام 1969، ثم فاز بها مجدداً عام 1974. ثم مر بفترة فراغ أدت به إلى الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية قبل أن يستعيد عافيته ويصعد إلى الدوري الممتاز ويفوز ببطولته عام 1992. ثم شرعنا بالحديث عن خصوبة تربة يورك ومحيطها، لانها كانت في الأزمنة الغابرة عبارة عن مسطحات جليدية، وبعد انحسار هذه المسطحات وتمازج ما أفرزته من مكونات في محيطها افرزت هذه التربة الخصبة والصالحة للرعي والزراعة. ومن هذه التربة ذاتها يُصنع ضرب من القرميد الذي ينتشر على نحو واسع في بيوتات وسائر عمران المنطقة. وبالعودة إلى تيرنر الذي قبض على روح المكان وتحوّلاته بفرشاته والعديد من أعماله الزيتية التي تبلغ نحو 500 لوحة موزعة على متاحف العالم والمجموعات الخاصة، وأعماله المائية التي أحصاها بعض النقاد بنحو خمسة آلاف عمل، تبزغ يورك خلل الأمكنة التي منحها روحه وبريقه. كما أن هناك مسارا يتبعه عشاق تيرنر ليتعرّفوا على المناطق والمشاهد التي رسمها، وهذه الرحلة هي ضرب من الجمال الخالص لرجل جعل الطبيعة تستعيد هيبتها وتقف في مصاف الموضوعات التاريخية التي تكرّست منذ عصر النهضة في ذاكرة الفن ورواده.     , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

يورك والجزّة الذهبية (3-3)
يورك والجزّة الذهبية (1-3)
Marcel Proust lived here
أضخم جنازة رسمية وعسكرية في باريس تحية لمارسيل بروست وزمنه
جسر فوق مياه مضطربة - من اليوميات الإمريكية
المهدي المنتظر
السيمفونية 40


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions