Arabic    

السيّدات الثلاث - الرحلة الإيطالية (١٧٧٦-١٧٧٨) - لجوته


2023-10-12
اعرض في فيس بوك
التطبيقات : متحف جوتة

 
 
السيّدات الثلاث
الرحلة الإيطالية (١٧٧٦-١٧٧٨)
لجوته
وصلت سيدة شابة وسيمة للغاية مع أمها، قادمتين من روما، حيث كانتا من جيراني في الشارع الرئيس (الكورسو). ورغم اني مررت بهما في المساءات وهما جالستان أمام باب منزلهما، فانني لم اتحدث اليهما من باب الالتزام الثابت بعزمي على الابتعاد عن مثل هذه العلاقات التي تلهيني عن مقاصدي. وقد لاحظت بعد ترقيتي الى \"سيد نبيل\" انهما صارتا تردان على ايماءة تحيتي بحرارة اكثر من ذي قبل. وها نحن نلتقي هنا، في هذا المنتجع، مثل معارف قدامى، فكان من السهل المبادرة بتجاذب الحديث، عبر الكلام عن الحفلة الموسيقية التي اقمتها في منزلي. عبرت السيدة الشابة عن اهتمام حي في امور هامة حقاً، وان مفاتنها ازدادت بحسن موسيقى لهجة أهل روما، التي كانت تنطقها بسرعة ولكن بتميز واضح لمخارج الاصوات، بتلك النبرة النبيلة التي ترتقي بابناء وبنات الطبقات الوسطى فوق مصافهم الاجتماعي، وتضفي على ابسط اقوالهم واكثرها اعتياداً، رونقاً و وقاراً. عرفتني هاتان السيدتان على سيدة شابة من ميلانو كانت معهما. وهي شقيقة أحد موظفي مستر جينكنز، وهو شاب يحظى بمكانة خاصة لدى مخدومه لما عرف به من كفاءة ونزاهة. وبدا ان السيدات الثلاث على صداقة حميمة. وان آيتي الجمال الشابتين ـ وهما تستحقان هذا اللقب عن جدارة ـ كانتا تؤلفان تضاداً صارخاً، وان يكن لطيفاً. كانت ابنة روما ذات شعر داكن، بني اسود، وبشرة خمرية، وعينين عسليتين، وكانت، علاوة على ذلك، تتسم بالجد والتحفظ؛ أما ابنة ميلانو فذات شعر كستنائي فاتح، وبشرة رقيقة صافية، وعينين زرقاوين، وتتسم بالانبساط، لا بدافع الاشتطاط، بل توقاً الى معرفة الاشياء. ذات يوم، كنت جالساً بين الحلوتين، ونحن نلعب نوعاً من اليانصيب، وقد وضعت رهاني مع رهان ابنة روما، وباستمرار اللعبة حصل ان جربت حظي بالمراهنة مع ابن ميلانو. وباختصار، بدأت اعقد شراكة جديدة، ساهياً، في سذاجتي، عن الاستياء المتولد عن توزع الولاء هذا. حين انتهت اللعبة، اخذتني الأم جانباً، وأسرّت، بوقار عقيلة رومانية، وبأدب جم الى \"الاجنبي الموقر\"، انه كان قد ابدى، من قبل، اهتماماً بابنتها، وان من غير اللائق (بالفرنسية) صرف الاهتمام الى اخرى، لأن هناك عرفاً مفهوماً خلال فترات العطلة، ان الاشخاص الذين يعقدون اواصر معتدلة من الاعجاب ينبغي ان يلتزموا بهذه الآصرة امام الناس، وان يواصلوا تبادل المجاملات البريئة، المهذبة. اعتذرت اكبر الاعتذار، لكني ذدت عن نفسي بالقول انني اجنبي ولا استطيع ادراك مثل هذه الالتزامات، لأن مألوف العادة، في بلادي، ابداء الكياسة والانتباه، على نحو متكافيء، ازاء كل السيدات في المجتمع وان مثل هذا السلوك لائق ولا ريب ازاء السيدتين اللتين تربط بينهما صداقة حميمة. ولكن، اسفاً، اذ بينما كنت اقدم اعتذاراتي، شعرت شعوراً غريباً بأني على يقين من ان قلبي قطع أمره، في لحظة طيش، لصالح ابنة ميلانو، وهو ما يحصل بسهولة حين يتحلل ولع المرء من الالتزام. ان المرء ليشعر بالثقة والرضى عن النفس، فهو لا يخشى شيئاً، ولا يرغب، حتى يجد نفسه، بغتة، ازاء وجه يجسد كل ما يصبو اليه، غافلاً، في هذه اللحظة، عن الخطر الداهم، الماثل وراء قسماته الفاتنة. في صباح اليوم التالي التأم شملنا نحن الثلاثة لوحدنا، فمالت الموازين اكثر نحو ابنة ميلانو. كانت تتفوق على صاحبتها في ان توقها الى المعرفة يتجلى في كل ما تقول. لم تكثر القول في اهمال اهلها لتعليمها، لكنها اشتكت من قلة هذا التعليم. قالت \"لا يعلموننا الكتابة، خشية ان نستخدم اقلامنا لكتابة رسائل غرام. وما كانوا ليعلموننا القراءة لولا ان علينا قراءة كتاب الصلوات؛ ولا يخطر على بال أحد ان يعلمنا لغات اجنبية. انني مستعدة للتضحية بأي شيء لمعرفة الانجليزية. فغالباً ما اسمع مستر جينكنز واخي، والسنيورة انجيليكا، والسنيور زوكي، والسنيور فولباتو، والسنيور كاموتشيني، يتحادثون بالانجليزية، أما أنا فاصغي اليهم بحسد. ثم أرى تلك الجرائد التي يبلغ طول الواحدة منها ذراعاً، مرمية على الطاولة، حافلة بالاخبار من زوايا المعمورة، أما أنا فلا اعرف ما تقول هذه الاخبار.\" قلت \"هذا وضع شائن، خصوصاً وان من السهل تعلم الانجليزية، وان بمقدوركم الالمام بها سريعاً. لم لا نجرب الآن؟\" اخذت واحدة من الصحف الانجليزية كبيرة الحجم، وفتشت ببصري عن موضوع مناسب فوجدت خبراً عن امرأة رمت بنفسها في النهر، إلا انها انتشلت وعادت الى اسرتها سالمة. هناك تعقيدات مثيرة في هذا الحدث: فليس واضحاً ان كانت قد حاولت الانتحار غرقاً، أو أياً من المعجبين بها، ذاك الذي تهوى أم ذاك الذي لا تريد، هو الذي غامر بنفسه لينقذ حياتها. اطلعتها على الخبر وطلبت منها ان تتفرس ملياً في الكلمات والجمل خلال مطالعتي للنص. بدأت اولاً بأن ترجمت لها كل الاسماء، واختبرتها لاتيقن من انها قد حفظت معانيها. على هذا النحو اخذت فكرة عامة عن الكلمات الاساسية في كل جملة، وموقع الكلمة المقصودة في السياق. بعد ذلك انتقلت الى شرح الكلمات السببية، والوصفية والشعورية، مشيراً لها، باكبر قدر من التشويق، كيف تتواشج هذه الكلمات لتبعث الحياة في معنى الكل. رحت القنها واختبر حافظتها مرة اخرى حتى استطاعت، من دون أي توجيه مني، ان تقرأ كامل المقطع بصوت عال، وبسهولة كبيرة كما لو كان مكتوباً بالايطالية، وهي ترفق قراءتها بايماءات رشيقة، اخاذة. لم أر قط مثل هذا التعبير العارم عن الفرح على وجه امرأة، كما رأيته على قسماتها، فشكرتني بحرارة بالغة على قيامي بفتح ابواب هذا العالم الجديد امام ناظريها. زاد عدد الزوار. جاءت انجيليكا ايضا، ولما حل وقت العشاء خصصوا لي مقعداً على المائدة الطويلة بجوارها. كانت تلميذتي تقف على الجانب الآخر من المائدة، ولما كان الآخرون منشغلين في تهذيب بفسح المجال أمام بعضهم البعض، استدارت من دون لحظة تردد، حول المائدة وجاءت لتجلس الى جانبي. ارتسمت الدهشة على وجه انجيليكا، فأمرأة بمثل ذكائها تستطيع ان ترى، بلمحة واحدة، ان هناك شيئاً قد حصل، فها هنا يجلس صديقها، الذي ظل يتحاشى السيدات الى الآن، حتى لو تطلب ذلك الجفاف والخشونة، لكنه الآن متوله، مأسور، كما يبدو، بما يثير دهشته هو. كان بوسعي ان اضبط نفسي في التصرف الظاهري، غير ان عواطفي الباطنية، على الارجح، هتكت سترها بشيء من الارتباك الناجم عن توزيع انتباهي بين السيدتين اللتين تجاورانني. حاولت ان اطيل حيوية الحديث مع صديقتي الكبيرة، التي كانت ميالة الى الصمت ذلك اليوم، وان اطيب خاطر الثانية باهتمام هاديء، شبه موراب، لأنها كانت ما تزال مبهورة باللغة الاجنبية، مثلها مثل من اعشي بصره بمشهد هائل طال انتظاره، ولا يعرف كيف يستعيد توازنه مع البيئة الاعتيادية. غير ان حالة الانتشاء التي كنت اعيشها سرعان ما تعرضت لمفاجأة قاسية. قبيل المساء، رحت ابحث عن صديقتاي الشابتين فوجدت السيدات المسنات جالسات في مقصورة الحديقة التي تطل على مشهد بديع. ولما اخذت اسرح بصري في المنظر الزاهي، شعرت بافتتان لا يمكن ان يعزى الى غروب الشمس ونسيم الليل وحدهما. وبدت لي الاضواء المتلألئة فوق التلال، والظلال الزرقاء الباردة في الوادي، اروع من أي رسم لها بالزيت أو الالوان المائية. لم استطع ان اشيح بصري عن اطلالة هذا المنظر، لكني شعرت في الآن ذاته بتوق الى مغادرة هذا المكان، وتوديع اشعة الشمس الذابلة بحثاً عن صحبة اكثر انفراداً وتواؤماً مع الروح. ولسوء الحظ ما كان بوسعي ان ارفض دعوة الأم الرومانية وصديقاتها إليّ للجلوس معهن، خصوصاً وانهن افسحن لي مكاناً عند النافذة، التي تطل على افضل جانب من المشهد. كن يتحدثن عن موضوع لا ينتهي: جهاز العروس. مرّ الوقت الثمين وانصرم وأنا اصغي نافد الصبر الى مناقشات عما يلزم، وعن عدد ونوعية هدايا العرس، والاشياء الضرورية التي ينبغي للأسرة ان تقدمها، والاسهامات المالية للاصدقاء، ذكوراً واناثاً، اذ ما يزال بعضها سراً، وما يعلمه الله من امور اخرى. بعد هذا انعطف الحديث الى مزايا العريس، فلهج الكل في ثنائه، رغم ان نقائصه لم تبق طي الكتمان؛ غير ان السيدات اتفقن بالاجماع على ان جمال وذكاء ومودة العروس سوف تصحح تلك النقائص ما ان تنعقد الزيجة. نفد صبري تماماً، فعزمت أخيراً، لحظة ان غاصت الشمس في البحر النائي، على ان اسأل من غير تحفظ عمن تكون العروس. بدت الدهشة عليهن جميعاً من جهلي بأمر معروف للجميع، غير انني تذكرت في تلك اللحظة اني لم اكن صديقاً للعائلة بل غريباً. لا أرى حاجة الى وصف هول المفاجأة التي وقعت عليّ حين سمعت ان العروس ليست سوى تلميذتي التي اصبحت عزيزة تماماً على قلبي منذ فترة وجيزة تماماً. غابت الشمس، وافلحت في ايجاد عذر للتحرر من صحبة هاته السيدات اللواتي لقنني، دون دراية، درساً بهذه القسوة.

    السيّدات الثلاث الرحلة الإيطالية (١٧٧٦-١٧٧٨) لجوته وصلت سيدة شابة وسيمة للغاية مع أمها، قادمتين من روما، حيث كانتا من جيراني في الشارع الرئيس (الكورسو). ورغم اني مررت بهما في المساءات وهما جالستان أمام باب منزلهما، فانني لم اتحدث اليهما من باب الالتزام الثابت بعزمي على الابتعاد عن مثل هذه العلاقات التي تلهيني عن مقاصدي. وقد لاحظت بعد ترقيتي الى \"سيد نبيل\" انهما صارتا تردان على ايماءة تحيتي بحرارة اكثر من ذي قبل. وها نحن نلتقي هنا، في هذا المنتجع، مثل معارف قدامى، فكان من السهل المبادرة بتجاذب الحديث، عبر الكلام عن الحفلة الموسيقية التي اقمتها في منزلي. عبرت السيدة الشابة عن اهتمام حي في امور هامة حقاً، وان مفاتنها ازدادت بحسن موسيقى لهجة أهل روما، التي كانت تنطقها بسرعة ولكن بتميز واضح لمخارج الاصوات، بتلك النبرة النبيلة التي ترتقي بابناء وبنات الطبقات الوسطى فوق مصافهم الاجتماعي، وتضفي على ابسط اقوالهم واكثرها اعتياداً، رونقاً و وقاراً. عرفتني هاتان السيدتان على سيدة شابة من ميلانو كانت معهما. وهي شقيقة أحد موظفي مستر جينكنز، وهو شاب يحظى بمكانة خاصة لدى مخدومه لما عرف به من كفاءة ونزاهة. وبدا ان السيدات الثلاث على صداقة حميمة. وان آيتي الجمال الشابتين ـ وهما تستحقان هذا اللقب عن جدارة ـ كانتا تؤلفان تضاداً صارخاً، وان يكن لطيفاً. كانت ابنة روما ذات شعر داكن، بني اسود، وبشرة خمرية، وعينين عسليتين، وكانت، علاوة على ذلك، تتسم بالجد والتحفظ؛ أما ابنة ميلانو فذات شعر كستنائي فاتح، وبشرة رقيقة صافية، وعينين زرقاوين، وتتسم بالانبساط، لا بدافع الاشتطاط، بل توقاً الى معرفة الاشياء. ذات يوم، كنت جالساً بين الحلوتين، ونحن نلعب نوعاً من اليانصيب، وقد وضعت رهاني مع رهان ابنة روما، وباستمرار اللعبة حصل ان جربت حظي بالمراهنة مع ابن ميلانو. وباختصار، بدأت اعقد شراكة جديدة، ساهياً، في سذاجتي، عن الاستياء المتولد عن توزع الولاء هذا. حين انتهت اللعبة، اخذتني الأم جانباً، وأسرّت، بوقار عقيلة رومانية، وبأدب جم الى \"الاجنبي الموقر\"، انه كان قد ابدى، من قبل، اهتماماً بابنتها، وان من غير اللائق (بالفرنسية) صرف الاهتمام الى اخرى، لأن هناك عرفاً مفهوماً خلال فترات العطلة، ان الاشخاص الذين يعقدون اواصر معتدلة من الاعجاب ينبغي ان يلتزموا بهذه الآصرة امام الناس، وان يواصلوا تبادل المجاملات البريئة، المهذبة. اعتذرت اكبر الاعتذار، لكني ذدت عن نفسي بالقول انني اجنبي ولا استطيع ادراك مثل هذه الالتزامات، لأن مألوف العادة، في بلادي، ابداء الكياسة والانتباه، على نحو متكافيء، ازاء كل السيدات في المجتمع وان مثل هذا السلوك لائق ولا ريب ازاء السيدتين اللتين تربط بينهما صداقة حميمة. ولكن، اسفاً، اذ بينما كنت اقدم اعتذاراتي، شعرت شعوراً غريباً بأني على يقين من ان قلبي قطع أمره، في لحظة طيش، لصالح ابنة ميلانو، وهو ما يحصل بسهولة حين يتحلل ولع المرء من الالتزام. ان المرء ليشعر بالثقة والرضى عن النفس، فهو لا يخشى شيئاً، ولا يرغب، حتى يجد نفسه، بغتة، ازاء وجه يجسد كل ما يصبو اليه، غافلاً، في هذه اللحظة، عن الخطر الداهم، الماثل وراء قسماته الفاتنة. في صباح اليوم التالي التأم شملنا نحن الثلاثة لوحدنا، فمالت الموازين اكثر نحو ابنة ميلانو. كانت تتفوق على صاحبتها في ان توقها الى المعرفة يتجلى في كل ما تقول. لم تكثر القول في اهمال اهلها لتعليمها، لكنها اشتكت من قلة هذا التعليم. قالت \"لا يعلموننا الكتابة، خشية ان نستخدم اقلامنا لكتابة رسائل غرام. وما كانوا ليعلموننا القراءة لولا ان علينا قراءة كتاب الصلوات؛ ولا يخطر على بال أحد ان يعلمنا لغات اجنبية. انني مستعدة للتضحية بأي شيء لمعرفة الانجليزية. فغالباً ما اسمع مستر جينكنز واخي، والسنيورة انجيليكا، والسنيور زوكي، والسنيور فولباتو، والسنيور كاموتشيني، يتحادثون بالانجليزية، أما أنا فاصغي اليهم بحسد. ثم أرى تلك الجرائد التي يبلغ طول الواحدة منها ذراعاً، مرمية على الطاولة، حافلة بالاخبار من زوايا المعمورة، أما أنا فلا اعرف ما تقول هذه الاخبار.\" قلت \"هذا وضع شائن، خصوصاً وان من السهل تعلم الانجليزية، وان بمقدوركم الالمام بها سريعاً. لم لا نجرب الآن؟\" اخذت واحدة من الصحف الانجليزية كبيرة الحجم، وفتشت ببصري عن موضوع مناسب فوجدت خبراً عن امرأة رمت بنفسها في النهر، إلا انها انتشلت وعادت الى اسرتها سالمة. هناك تعقيدات مثيرة في هذا الحدث: فليس واضحاً ان كانت قد حاولت الانتحار غرقاً، أو أياً من المعجبين بها، ذاك الذي تهوى أم ذاك الذي لا تريد، هو الذي غامر بنفسه لينقذ حياتها. اطلعتها على الخبر وطلبت منها ان تتفرس ملياً في الكلمات والجمل خلال مطالعتي للنص. بدأت اولاً بأن ترجمت لها كل الاسماء، واختبرتها لاتيقن من انها قد حفظت معانيها. على هذا النحو اخذت فكرة عامة عن الكلمات الاساسية في كل جملة، وموقع الكلمة المقصودة في السياق. بعد ذلك انتقلت الى شرح الكلمات السببية، والوصفية والشعورية، مشيراً لها، باكبر قدر من التشويق، كيف تتواشج هذه الكلمات لتبعث الحياة في معنى الكل. رحت القنها واختبر حافظتها مرة اخرى حتى استطاعت، من دون أي توجيه مني، ان تقرأ كامل المقطع بصوت عال، وبسهولة كبيرة كما لو كان مكتوباً بالايطالية، وهي ترفق قراءتها بايماءات رشيقة، اخاذة. لم أر قط مثل هذا التعبير العارم عن الفرح على وجه امرأة، كما رأيته على قسماتها، فشكرتني بحرارة بالغة على قيامي بفتح ابواب هذا العالم الجديد امام ناظريها. زاد عدد الزوار. جاءت انجيليكا ايضا، ولما حل وقت العشاء خصصوا لي مقعداً على المائدة الطويلة بجوارها. كانت تلميذتي تقف على الجانب الآخر من المائدة، ولما كان الآخرون منشغلين في تهذيب بفسح المجال أمام بعضهم البعض، استدارت من دون لحظة تردد، حول المائدة وجاءت لتجلس الى جانبي. ارتسمت الدهشة على وجه انجيليكا، فأمرأة بمثل ذكائها تستطيع ان ترى، بلمحة واحدة، ان هناك شيئاً قد حصل، فها هنا يجلس صديقها، الذي ظل يتحاشى السيدات الى الآن، حتى لو تطلب ذلك الجفاف والخشونة، لكنه الآن متوله، مأسور، كما يبدو، بما يثير دهشته هو. كان بوسعي ان اضبط نفسي في التصرف الظاهري، غير ان عواطفي الباطنية، على الارجح، هتكت سترها بشيء من الارتباك الناجم عن توزيع انتباهي بين السيدتين اللتين تجاورانني. حاولت ان اطيل حيوية الحديث مع صديقتي الكبيرة، التي كانت ميالة الى الصمت ذلك اليوم، وان اطيب خاطر الثانية باهتمام هاديء، شبه موراب، لأنها كانت ما تزال مبهورة باللغة الاجنبية، مثلها مثل من اعشي بصره بمشهد هائل طال انتظاره، ولا يعرف كيف يستعيد توازنه مع البيئة الاعتيادية. غير ان حالة الانتشاء التي كنت اعيشها سرعان ما تعرضت لمفاجأة قاسية. قبيل المساء، رحت ابحث عن صديقتاي الشابتين فوجدت السيدات المسنات جالسات في مقصورة الحديقة التي تطل على مشهد بديع. ولما اخذت اسرح بصري في المنظر الزاهي، شعرت بافتتان لا يمكن ان يعزى الى غروب الشمس ونسيم الليل وحدهما. وبدت لي الاضواء المتلألئة فوق التلال، والظلال الزرقاء الباردة في الوادي، اروع من أي رسم لها بالزيت أو الالوان المائية. لم استطع ان اشيح بصري عن اطلالة هذا المنظر، لكني شعرت في الآن ذاته بتوق الى مغادرة هذا المكان، وتوديع اشعة الشمس الذابلة بحثاً عن صحبة اكثر انفراداً وتواؤماً مع الروح. ولسوء الحظ ما كان بوسعي ان ارفض دعوة الأم الرومانية وصديقاتها إليّ للجلوس معهن، خصوصاً وانهن افسحن لي مكاناً عند النافذة، التي تطل على افضل جانب من المشهد. كن يتحدثن عن موضوع لا ينتهي: جهاز العروس. مرّ الوقت الثمين وانصرم وأنا اصغي نافد الصبر الى مناقشات عما يلزم، وعن عدد ونوعية هدايا العرس، والاشياء الضرورية التي ينبغي للأسرة ان تقدمها، والاسهامات المالية للاصدقاء، ذكوراً واناثاً، اذ ما يزال بعضها سراً، وما يعلمه الله من امور اخرى. بعد هذا انعطف الحديث الى مزايا العريس، فلهج الكل في ثنائه، رغم ان نقائصه لم تبق طي الكتمان؛ غير ان السيدات اتفقن بالاجماع على ان جمال وذكاء ومودة العروس سوف تصحح تلك النقائص ما ان تنعقد الزيجة. نفد صبري تماماً، فعزمت أخيراً، لحظة ان غاصت الشمس في البحر النائي، على ان اسأل من غير تحفظ عمن تكون العروس. بدت الدهشة عليهن جميعاً من جهلي بأمر معروف للجميع، غير انني تذكرت في تلك اللحظة اني لم اكن صديقاً للعائلة بل غريباً. لا أرى حاجة الى وصف هول المفاجأة التي وقعت عليّ حين سمعت ان العروس ليست سوى تلميذتي التي اصبحت عزيزة تماماً على قلبي منذ فترة وجيزة تماماً. غابت الشمس، وافلحت في ايجاد عذر للتحرر من صحبة هاته السيدات اللواتي لقنني، دون دراية، درساً بهذه القسوة. , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

السيّدات الثلاث - الرحلة الإيطالية (١٧٧٦-١٧٧٨) - لجوته
رحلة في ايطاليا لجوته - 11 تشرين الثاني (نوفمبر)
شهر كانون الاول 1788 رحلة في إيطاليا لجوته (3-4)
اللغة - رحلة في ايطاليا لجوته
العرّافات - شهر كانون الاول 1787م
تشرين الأول 1787 (كاسل جوندلفو) | رحلة في إيطاليا لجوته (2-2)
تشرين الأول 1787 (كاسل جوندلفو) | رحلة في إيطاليا لجوته | (1-2)


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions