Arabic    

سيدة من فلورنسا


2023-11-05
اعرض في فيس بوك
التصنيف : مقالات الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي

 
 
سيدة من فلورنسا
محمد أحمد السويدي
----
في عام 1502م، اقتنى ليوناردو عدسات مكبّرة، دلّت على بداية ضعف بصره، وبعد عام ذهب يفتّش عن فتاة توافق مشروعه الجديد الذي لم يمنحه اسما بعد، أو ظلّ يسّميه تجاوزا: سيّدة من فلورنسا.
بدأ دافنشي، وقد ناهز الخمسين، يقلّب أفكارا راودته عن الموت وراح يكتب: تنزع الروح إلى أن تبقى ملازمة لجسدها، فهو الذي يمنحها الحسّ وآلية الحياة. وقال: لكل أذى ما، ذكرى مؤلمة يخلّفها، إلا أعظمها، وهو الموت، الذي يقتل الذكرى جنبا إلى جنب مع الحياة. وقال أيضا: أيها القابع في سباتك، ما النوم؟ النوم صورة الموت، فالأحرى بك أن تبتدع من الأعمال ما يخلّدك بعد موتك، بدلاً من أن تفني حياتك نائماً متشبهاً بالميتين. وكان يردّد على أصحابه: الحياة المادية هي موطن الروح، والموت هو إقصاؤها، إنها تخرج «على غير إرادتها»، ولا يبدو أنها متجهة إلى السكنى بالأعالي. 
كان دافنشي قد رأى الموت رأي العين في غزوات سيزاري وحروبه، رأى مصارع الرجال بشكل مكثّف في ذلك العام الذى بدأ فيه بصره يخبو، رأى آلاته وخرائطه وسلاحه كيف راحت تحصد الأرواح، وانتهى بعد عام في فلورنسا يتابع ما انتهت اليه دولة آل بورجيا وما انتهى إليه سيّده، فشرع يفتّش عن وجه لمشروعه الجديد كعادته، ووجد ضالّته في امرأة متزوّجة، لعلّها ليزا جيرارديني ذات الأربع والعشرين عاما، زوجة تاجر الحرير الفلورنسي. وكانت أمّا لثلاثة أطفال، مات آخرهم (طفلة) عام 1499م. وشرع في الرسم عام 1503م. أطلق الفلورنسيون على اللوحة اسم الجيوكاندا (المرحة)، وكان يعرض على زائريه في مرسمه في فرنسا في سنيه الأخيرة ثلاث لوحات: الأولى لوحة القدّيس يوحنّا، والثانية العذراء والطفل مع القدّيسة آن، ولوحة ثالثة يقدّمها بقوله: سيّدة من فلورنسا، يجمع النقّاد على أنها الموناليزا، الاسم الذي لحق بها، وظلّ يلاحقها في زمن السرّ الدائم حتّى الآن.
هل اختار ليوناردو دافنشي ليزا جيرارديني من فلورنسا نموذجا لملاك الأرواح؟ تلك اليد الخفيّة التي ستستلّ روحه بعد سنين، هذا ما صرت إليه كلّما اقتربت متأملا اللوحة، عيناها الضّيقتان، نظرتها المحدّقة، ابتسامتها الغامضة، عطلها من الحليّ، زيّها الضارب إلى السواد، والدروب الموحشة الموحلة لتوسكانيا خلفها، والألوان التي تشعرك بدنوّ ساعة غروب الأجل، وتعللّه الدائم، بأنه لم يفرغ منها بعد (قبل أن تفرغ منه)، والقاعة الثالثة عشرة التي تسكنها في سماء قصر اللوفر الأولى. وأظنّه نظر إليها يوم السبت الثالث والعشرين من أبريل عام 1519م، بعد أن فرغ من إملاء وصيّته، وظلّ ينظر إليها إلى أن فاضت روحه في الثاني من مايو بعد بضعة أيام، بعد أن استعدّ العالم فيه والفنّان لولوج البحر العظيم.

    سيدة من فلورنسا محمد أحمد السويدي ---- في عام 1502م، اقتنى ليوناردو عدسات مكبّرة، دلّت على بداية ضعف بصره، وبعد عام ذهب يفتّش عن فتاة توافق مشروعه الجديد الذي لم يمنحه اسما بعد، أو ظلّ يسّميه تجاوزا: سيّدة من فلورنسا. بدأ دافنشي، وقد ناهز الخمسين، يقلّب أفكارا راودته عن الموت وراح يكتب: تنزع الروح إلى أن تبقى ملازمة لجسدها، فهو الذي يمنحها الحسّ وآلية الحياة. وقال: لكل أذى ما، ذكرى مؤلمة يخلّفها، إلا أعظمها، وهو الموت، الذي يقتل الذكرى جنبا إلى جنب مع الحياة. وقال أيضا: أيها القابع في سباتك، ما النوم؟ النوم صورة الموت، فالأحرى بك أن تبتدع من الأعمال ما يخلّدك بعد موتك، بدلاً من أن تفني حياتك نائماً متشبهاً بالميتين. وكان يردّد على أصحابه: الحياة المادية هي موطن الروح، والموت هو إقصاؤها، إنها تخرج «على غير إرادتها»، ولا يبدو أنها متجهة إلى السكنى بالأعالي.  كان دافنشي قد رأى الموت رأي العين في غزوات سيزاري وحروبه، رأى مصارع الرجال بشكل مكثّف في ذلك العام الذى بدأ فيه بصره يخبو، رأى آلاته وخرائطه وسلاحه كيف راحت تحصد الأرواح، وانتهى بعد عام في فلورنسا يتابع ما انتهت اليه دولة آل بورجيا وما انتهى إليه سيّده، فشرع يفتّش عن وجه لمشروعه الجديد كعادته، ووجد ضالّته في امرأة متزوّجة، لعلّها ليزا جيرارديني ذات الأربع والعشرين عاما، زوجة تاجر الحرير الفلورنسي. وكانت أمّا لثلاثة أطفال، مات آخرهم (طفلة) عام 1499م. وشرع في الرسم عام 1503م. أطلق الفلورنسيون على اللوحة اسم الجيوكاندا (المرحة)، وكان يعرض على زائريه في مرسمه في فرنسا في سنيه الأخيرة ثلاث لوحات: الأولى لوحة القدّيس يوحنّا، والثانية العذراء والطفل مع القدّيسة آن، ولوحة ثالثة يقدّمها بقوله: سيّدة من فلورنسا، يجمع النقّاد على أنها الموناليزا، الاسم الذي لحق بها، وظلّ يلاحقها في زمن السرّ الدائم حتّى الآن. هل اختار ليوناردو دافنشي ليزا جيرارديني من فلورنسا نموذجا لملاك الأرواح؟ تلك اليد الخفيّة التي ستستلّ روحه بعد سنين، هذا ما صرت إليه كلّما اقتربت متأملا اللوحة، عيناها الضّيقتان، نظرتها المحدّقة، ابتسامتها الغامضة، عطلها من الحليّ، زيّها الضارب إلى السواد، والدروب الموحشة الموحلة لتوسكانيا خلفها، والألوان التي تشعرك بدنوّ ساعة غروب الأجل، وتعللّه الدائم، بأنه لم يفرغ منها بعد (قبل أن تفرغ منه)، والقاعة الثالثة عشرة التي تسكنها في سماء قصر اللوفر الأولى. وأظنّه نظر إليها يوم السبت الثالث والعشرين من أبريل عام 1519م، بعد أن فرغ من إملاء وصيّته، وظلّ ينظر إليها إلى أن فاضت روحه في الثاني من مايو بعد بضعة أيام، بعد أن استعدّ العالم فيه والفنّان لولوج البحر العظيم. , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

سيدة من فلورنسا
A Lady from Florence
A Lady from Florence
La Gioconda
الحجّ إلى صِقليّة - رِحلة لـ مُحمد أحمد السُّويدي
Marcel Proust lived here
أضخم جنازة رسمية وعسكرية في باريس تحية لمارسيل بروست وزمنه


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions