Arabic    

نفسية قطة


2017-07-09
View In Facebook
Category : Pages of A beautiful past time

 
|| صفحات من الزمن الجميل (سلسلة) ||
"نفسية قطة" - للكاتب الفرنسي تيوفيل جوتييه، ترجمة أحمد أمين.
المصدر: مجلة الرسالة العدد الثالث - بتاريخ: 15 فبراير 1933م
قطتي بيضاء الصدر، قرنفلية الأنف. زرقاء العين، تعيش معي على خير ما يكون الصديق لصديقه. إن نمت نامت تحت قدمي. وإن جلست على كرسي أكتب جلست هي علي متكئة تحلم، وإذا مشيت في الحديقة تتبعني، وإذا أكلت زاحمتني، فحالت (أحياناً) بيني وبين لقمتي. استودعني ذات يوم صديق لي ببغاء أخضر ريثما يعود من سفره. فاستوحش من منزلي، وشعر أنه غريب، فتسلق القفص حتى أعلاه، ثم جثم ساكتاً مرتعداً.
وكانت قطتي لم تر ببغاء قط، فكان مخلوقاً جديداً أمام عينيها، أدهشها منظره فكانت أشبه بقطة محنطة من آثار الفراعنة، واستغرقت في التأمل كأنها تستعيد في ذاكرتها كل ما درسته من التاريخ الطبيعي على سطح الدار وفي حديقة المنزل؛ وكان ما يدور بفكرها يتجلى في نظراتها حتى لأستطيع أن أتبين من عينيها خلاصة أفكارها كما لو كانت تعبر بقول بليغ ومنطق فصيح. كانت كأنها تقول: (ليس هذا المخلوق دجاجة خضراء) ولما بلغت من درسها هذه النتيجة تركت المائدة حيث كانت ترصد الببغاء، وربضت في ركن من أركان الحجرة مبسوطة الذراعين مطرقة الرأس ممطوطة الظهر، كأنها نمر يتربص غزالا ورد الغدير.
كان الببغاء يتتبع حركاتها في اضطراب، وقد نفش ريشه ورفع ساقه المرتعشة، وسن منقاره على إنائه الذي يأكل فيه، وهدته غريزته إلى أن هناك عدواً يدبر الكيد له.
ثم أخذت القطة تسدد إلى الببغاء نظرات حادة، وهو ينظر إليها فاهما حق الفهم ما يجول بخاطرها. فكأنها كانت تقول (لا بد أن تكون هذه الدجاجة لذيذة الطعم على الرغم من أنها خضراء). وكنت أرقب هذا المنظر باهتمام موطناً نفسي أن أتدخل عند الحاجة.
ثم دنت القطة من الببغاء وأنفها القرنفلي يرتعد، وعيناها تضيقان، وأظافرها تنقبض وتنبسط، وعمودها الفقري يرتفع وينخفض، وأخذت تمني نفسها قرب الحصول على طعام لذيذ، كما يمني الشره نفسه إذا دعي إلى مائدة صفت عليها ألوان الطعام الشهي.
ثم انحنى ظهرها فجأة، كما تحنى القوس في يد الرامي، ووثبت وثبة فإذا هي بجانب القفص. فأيقن الببغاء بما هو فيه من خطر وقال بصوت خافت رزين: (هل أفطرت يا جيمس؟) وهي كلمة تعوّد الببغاء أن يقولها كما علمه سيده. فأخذ القطة من الرعب مالا يوصف؛ فلو أن طبولاً دقت وصحافا كسرت، وطلقات نارية دوت، ما روعت القطة كما روعت من هذه الكلمة! ارتدت إذ ذاك إلى الوراء وعلى وجهها أنها غيرت كل آرائها في هذا الطائر، وكان يخيل إلى من ينظر إليها أنها تقول: (ما هذا طائراً. إن هذا إلا إنسان صغير).
هب الببغاء يغني بصوت عال، لأنه تحقق أن كلامه خير وسيلة يدفع بها عن نفسه. نظرت القطة إليّ نظرة استفهام فلم يقنعها جوابي. فخبأت نفسها في فراشي ولم تتحرك طيلة يومها.
وفي اليوم التالي عاودتها شجاعتها فعاودت الكرة على الببغاء ولكنها لاقت في يومها ما لاقت في أمسها، فاعترفت بهزيمتها وقررت أن تعامل هذا الطائر باحترام كما تعامل الإنسان!

  || صفحات من الزمن الجميل (سلسلة) || "نفسية قطة" - للكاتب الفرنسي تيوفيل جوتييه، ترجمة أحمد أمين. المصدر: مجلة الرسالة العدد الثالث - بتاريخ: 15 فبراير 1933م قطتي بيضاء الصدر، قرنفلية الأنف. زرقاء العين، تعيش معي على خير ما يكون الصديق لصديقه. إن نمت نامت تحت قدمي. وإن جلست على كرسي أكتب جلست هي علي متكئة تحلم، وإذا مشيت في الحديقة تتبعني، وإذا أكلت زاحمتني، فحالت (أحياناً) بيني وبين لقمتي. استودعني ذات يوم صديق لي ببغاء أخضر ريثما يعود من سفره. فاستوحش من منزلي، وشعر أنه غريب، فتسلق القفص حتى أعلاه، ثم جثم ساكتاً مرتعداً. وكانت قطتي لم تر ببغاء قط، فكان مخلوقاً جديداً أمام عينيها، أدهشها منظره فكانت أشبه بقطة محنطة من آثار الفراعنة، واستغرقت في التأمل كأنها تستعيد في ذاكرتها كل ما درسته من التاريخ الطبيعي على سطح الدار وفي حديقة المنزل؛ وكان ما يدور بفكرها يتجلى في نظراتها حتى لأستطيع أن أتبين من عينيها خلاصة أفكارها كما لو كانت تعبر بقول بليغ ومنطق فصيح. كانت كأنها تقول: (ليس هذا المخلوق دجاجة خضراء) ولما بلغت من درسها هذه النتيجة تركت المائدة حيث كانت ترصد الببغاء، وربضت في ركن من أركان الحجرة مبسوطة الذراعين مطرقة الرأس ممطوطة الظهر، كأنها نمر يتربص غزالا ورد الغدير. كان الببغاء يتتبع حركاتها في اضطراب، وقد نفش ريشه ورفع ساقه المرتعشة، وسن منقاره على إنائه الذي يأكل فيه، وهدته غريزته إلى أن هناك عدواً يدبر الكيد له. ثم أخذت القطة تسدد إلى الببغاء نظرات حادة، وهو ينظر إليها فاهما حق الفهم ما يجول بخاطرها. فكأنها كانت تقول (لا بد أن تكون هذه الدجاجة لذيذة الطعم على الرغم من أنها خضراء). وكنت أرقب هذا المنظر باهتمام موطناً نفسي أن أتدخل عند الحاجة. ثم دنت القطة من الببغاء وأنفها القرنفلي يرتعد، وعيناها تضيقان، وأظافرها تنقبض وتنبسط، وعمودها الفقري يرتفع وينخفض، وأخذت تمني نفسها قرب الحصول على طعام لذيذ، كما يمني الشره نفسه إذا دعي إلى مائدة صفت عليها ألوان الطعام الشهي. ثم انحنى ظهرها فجأة، كما تحنى القوس في يد الرامي، ووثبت وثبة فإذا هي بجانب القفص. فأيقن الببغاء بما هو فيه من خطر وقال بصوت خافت رزين: (هل أفطرت يا جيمس؟) وهي كلمة تعوّد الببغاء أن يقولها كما علمه سيده. فأخذ القطة من الرعب مالا يوصف؛ فلو أن طبولاً دقت وصحافا كسرت، وطلقات نارية دوت، ما روعت القطة كما روعت من هذه الكلمة! ارتدت إذ ذاك إلى الوراء وعلى وجهها أنها غيرت كل آرائها في هذا الطائر، وكان يخيل إلى من ينظر إليها أنها تقول: (ما هذا طائراً. إن هذا إلا إنسان صغير). هب الببغاء يغني بصوت عال، لأنه تحقق أن كلامه خير وسيلة يدفع بها عن نفسه. نظرت القطة إليّ نظرة استفهام فلم يقنعها جوابي. فخبأت نفسها في فراشي ولم تتحرك طيلة يومها. وفي اليوم التالي عاودتها شجاعتها فعاودت الكرة على الببغاء ولكنها لاقت في يومها ما لاقت في أمسها، فاعترفت بهزيمتها وقررت أن تعامل هذا الطائر باحترام كما تعامل الإنسان! , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

عبد الحليم حافظ - المفتون برقص الطفلة الدمشقية وعزف سمير سرور
ليلى مراد وعبد الحليم - سنتين وأنا أحايل فيك
عبد الحليم حافظ فى الكويت .. يا هلى ياهلى
فلسفة شوبنهور
«مقاطعة الصهيونية»
«رحلة إلى دير طورسينا»
بين الكأس والطاس


Visa_MasterCard

Privacy Policy   Cookie Policy   Terms and Conditions